03‏/05‏/2011

المنطقة الصناعية بشرق التفريعة.. من يضحك علي من؟

بقلم -ربان: محمد بهي الدين مندور
حفزني واقع غياب الاستثمارات الأجنبية بالظهير الصناعي لمشروع شرق التفريعة القومي، أن أتسأل: أين ما وعدت به الحكومات المتعاقبة بدءاً بحكومة »الجنزوري« ومروراً بحكومة »عبيد«، ثم بحكومة »نظيف« عن تسابق المستثمرين الأجانب لإقامة مشروعاتهم في أرض عبقرية المكان!!.. بل أين ما وعد به رجال الأعمال القاهريون والبورسعيديون منذ أكثر من عشر سنوات؟!.. ولكي لا ننسي، فإلي القارئ المهتم عينات من هذه الوعود: 1- تشكيل مجموعة عمل من خمسة مستثمرين في مشروع شرق التفريعة التي يتوافر لها دراسات الجدوي التي أعدتها الحكومة بالتعاون والتنسيق مع المستثمرين الأجانب.. »إن مشروع شرق التفريعة يعد من أنجح المشروعات لأنه تم التخطيط له بعمق«.. رئيس الشعبة العامة للمستثمرين باتحاد الغرف التجارية في 98/1/6. 2- »تنافس كبري الشركات العالمية للمشاركة في المشروع مما يتيح لمصر فرصة لاختيار أفضل العروض«.. مستثمر بورسعيدي بارز وعضو بمجلس الشعب في »أخبار اليوم 98/3/14. 3- »سوف نعلن في الأيام المقبلة عن شركات محلية وخارجية جاءت للتعاقد علي المشروعات الجديدة في المنطقة »شرق التفريعة« وقد انتهي من تجهيز المنطقة«. رئيس هيئة قناة السويس في »الأهرام« 98/6/25. 4- »لقد بدأ عدد من المستثمرين الأجانب في الاتصال بنا لإقامة مشروعات منها تجمعات للغزل والنسيج والملابس الجاهزة وستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل«.. رجل أعمال بورسعيدي بارز في الأهرام 98/9/29«.. إن هذه الوعود الهزلية تفجر تساؤلين: الأول: أين المستثمرون الأجانب؟.. والثاني: من يضحك علي من؟
إن جناحي مشروع شرق التفريعة القومي العالمي هما الميناء المحوري ليقام علي مساحة 22.5 مليون متر مربع والمنطقة الصناعية بظهير الميناء لتقام علي 87.6 مليون متر مربع، وقد شيدت شركات مقاولات أجنبية عالمية المرحلة الأولي للميناء بتكلفة نحو 350 مليون دولار سددتها الخزانة المصرية بالكامل، ومازالت الحكومة مدينة لبنك الاستثمار القومي بنحو 1200 مليون جنيه اقترضتها لتشييد البنية التحتية للميناء. وقامت الحكومة بإسناد إدارة محطة الحاويات بالميناء إلي شركة »أ. ب موللر« الدنماركية التي تمتلك أكبر شركة ملاحة لنقل الحاويات في العالم. وتمتلك هذه الشركة في الوقت الحاضر 60٪ من أسهم شركة إدارة محطة الحاويات بالميناء، وتمتلك شركة »كسكو« الصينية 20٪، وتمتلك الحكومة المصرية 15٪، ويمتلك الـ5٪ المتبقية أفراد القطاع الخاص من أصحاب التصريحات الفشنك في صدر هذا المقال. أما المنطقة الصناعية بظهير الميناء فقد سبق أن لخصنا موقفها في مقالات سابقة علي مدار أكثر من عشر سنوات بأنها آخر عك، وكان السبب المباشر لبداية العك هو عدم تعيين الحكومة هيئة إدارية فنية مستقلة لإدارة مشروع المنطقة الصناعية، بل حتي كتابة هذا المقال. وربما تعمد مجلس الوزراء الأسبق ذلك حتي تكون قرارات توزيع الأراضي في قبضة لجنة وزارية تضم الوزراء الأقوياء، وبالفعل أعلن وزير النقل والمواصلات الأسبق في 1998/5/26، أنه »تقرر طرح المنطقة خلف الميناء المحوري للاستثمار الخاص وإنشاء منطقة حرة صناعية يجري تزويدها بجميع المرافق الأساسية بحيث يستطيع المستثمرون أن يقيموا الصناعات والأنشطة الاقتصادية والتجارية الأخري ويتمتعوا بمزايا الاستثمار في المنطقة الحرة وإدخال »المصنوعات« المنتجة إلي الميناء مباشرة.. ويبدو أن اللجنة الوزارية بعد هذا التصريح قد صدمتها حقيقة التربة الرخوة للأرض، وأن تسوية نحو 87 مليون متر مربع يتكلف المليارات من الجنيهات.. »ولسه المرافق!.. يا خبر أسود!..طيب ده إجمالي الإنفاق المخصص للمشاريع العملاقة ثمانية مليارات جنيه«.. أين الحل؟.. وربما أطلق أحد الوزراء صيحة أرشميدس.. »يوريكا«!.. يعني وجدتها.. »لماذا لا نبيع الأرض للمستثمرين أصحاب المشروعات؟.. ولكن أين المشروعات؟.. ربما قال وزير آخر.. النائب »فلان« عنده مشروع مصنع صلب و»لكح« عايز يعمل مصنع حديد اسفنجي.. و... إلخ، ولكن هذا لا يغطي مساحة الـ87 مليون متر؟.. وهنا ربما صاح وزير آخر.. »لماذا لانطلب من حبايبنا رجال الأعمال تأسيس شركات أراضي نسميها »شركات تنمية« تبيع لها الحكومة أراضي المنطقة الصناعية بأسعار محفزة.. يعني برخص التراب لكي تتولي هذه الشركات عمليات التسوية والتمهيد بل المرافق أيضاً، وليبحثوا لنا بالمرة عن مستثمرين أجانب«؟!.. وربما قال وزير آخر: »قانون الاستثمار لا يتضمن هذا النشاط«!.. وربما كسر هذا الوجوم ترزي قانوني فقال.. »بسيطة.. نفصل تشريع.. نضيف مادة جديدة«.. وبالفعل صدر قرار مجلس الوزراء رقم 1585 لسنة 1998 بتاريخ 1998/5/29 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون ضمانات وحوافز الاستثمار. وذلك بإضافة بند جديد برقم »3« مكرر إلي المادة »1« ونصها كالآتي: »3« مكرر: تجهيز وتنمية صناعية مختارة: تجهيز وتنمية مناطق صناعية جديدة في شرق التفريعة وشمال غرب خليج السويس ويشمل ذلك تمهيد الأرض وإنشاء البنية الأساسية الداخلة بها وتزويدها بالمرافق وإمدادها بكل ما يلزم من خدمات بغرض تهيئتها بمختلف الصناعات والتصرف فيها«.. هذا يعني تقنين تقسيم وبيع أراضي شرق التفريعة.. ويعني ذلك أيضاً تسقيعها مستقبلا!.. وعفارم!.. مصر تسبق العالم لابتداع الحلول لجذب الاستثمارات الأجنبية.. طوابير المستثمرين الأجانب تستجدي موقع قدم في أرض عبقرية المكان.. ولمَ لا!.. ألسنا الذين دهنوا الهوا دوكو وخرموا التعريفة«!.. عظيم.. صدر القرار الوزاري ولكن من ينفذه؟.. من المسئول عن التخطيط الهيكلي Master plan لمشروع أكبر منطقة صناعية في العالم؟.. من سيتولي وضع الشروط؟.. من المسئول عن تخصيص الأرض؟.. وجاءت الإجابة.. رئاسة مجلس الوزراء.. اللجنة الوزارية العليا.. وبسرعة البرق اهتز المحمول.. ورنت التليفونات وبدأت الاجتماعات مع حبايبنا رجال الأعمال بل مع أي واحد إما متخم بالفلوس أو له سكك سالكة مع البنوك.. مش مهم الخبرة.. مش مهم الدراسة.. وكان شعار المرحلة: »اسس شركة تنمية تاكل ملبن.. وتضمن مستقبل الأبناء والأحفاد والذرية«!
والمحصلة النهائية أن طلعت علينا الصحف في 98/7/1 بخبر:تقسيم87.5 مليون متر مربع للشركات الصناعية وشركات التنمية بمشروع شرق بورسعيد.. سعر المتر 20 جنيهاً للشركات الصناعية و5 جنيهات لشركات التنمية«. وقد صرح وزير الإعلام بأن لجنة تخصيص الأراضي قررت تخصيص 54 مليوناً و200 ألف متر مربع لعدد من الشركات الصناعية وشركات التنمية. - أولاً: الشركات الصناعية: شركة مصر للصلب »قوطة وعائلته« 2 مليون متر مربع، المشروع المصري للحديد الأسفنجي »لكح وعائلته« مليون متر مربع. - ثانياً: شركات التنمية »يعني تجارة أراضي«: الشركة المصرية لتنمية غرب سيناء 18 مليون متر مربع. شركة دريم لاند »أحمد بهجت ومحبيه« 11 مليون متر مربع، شركة مستثمري بورسعيد للتنمية »44 مساهماً.. إحنا شعب بورسعيد« 10 ملايين متر مربع. شركة الاستثمار والتنمية »جمعية رجال الأعمال بالقاهرة.. اللي سبق كل النبق« 10 ملايين متر مربع. شركة ميلاكو ألبمار لمواد البناء 2 مليون متر مربع. ثم مساحات متواضعة 100 ألف متر لإحدي شركات إنتاج الأدوية و100 ألف مربع للشركة المصرية لتنمية مواد البناء.. علماً بأن كل مساحة المنطقة الصناعية الحرة بدولة الإمارات 100 ألف متر مربع.. عظيمة يا مصر! وهرول المستثمرون إلي مواقعهم بشرق التفريعة. وبعد مرور شهرين طلعت علينا جريدة »الأهرام« بتاريخ 1998/9/3 بخبر تحت عنوان: »التفريعة تشرق علي بورسعيد«. وجاء في متن الخبر: إن اللجنة الوزارية برئاسة د. الجنزوري وافقت علي تخصيص أراض بمساحات تتراوح ما بين 10 و18 مليون متر مربع لأربع شركات من شركات التنمية لبدء تنمية أراضي المنطقة الصناعية ومدها بالبنية الأساسية.. لاحظ هنا يا عزيزي القاريء أن الحكومة ألبست طاقية تجهيز الأرض ومدها بالبنية الأساسية لرجال الأعمال والشركات »المغلقة« التي هرولت لتخطف قطعة من التورتة العالمية ثم فجأة.. أفاقت علي تربة رخوة. وفجأة.. لم تجد حولها المستثمرين الأجانب لإقامة مشروعاتهم في أرض عبقرية المكان، وكأن المستثمرين الأجانب هبل أو عبط.
وبتاريخ 99/10/6 كانت نهاية وزارة الجنزوري التي ولد في رحمها مشروع شرق التفريعة، وبتاريخ 99/10/19 تقرر أن يتولي وزير الإسكان الإشراف علي المشروع، وأحدث ذلك قلقاً للشركات والأفراد الذين كانوا قد انقضوا علي ملايين الأمتار تحت ستار التنمية.. وكله بالقانون! وذهب وزير الإسكان إلي بورسعيد لتقييم موقف المنطقة الصناعية ميدانياً تمهيداً لإعداد تقرير لمجلس الوزراء. وبتاريخ 2000/7/6 طلع علينا محافظ بورسعيد بتصريح في جريدة »الأهرام« بمانشيت: »الأداء في المنطقة الصناعية لا يتجاوز 1٪ مما كنا نتوقعه، ولن يتم تخصيص أراض جديدة إلا بضمانات وشروط«. ولكن بعد إيه؟ وعلي رأي المثل »بعد ما خربت مالطا«!!.. ثم طلعت علينا جريدة »الأخبار« يوم 2000/8/18 بما يلي: »صورة متناقضة تماماً تلمحها العين المجردة في منطقة شرق بورسعيد.. خلية نحل لا تهدأ علي مدار 24 ساعة في منطقة الميناء »المقاولون الأجانب« وعلي الجانب الآخر الحياة شبه متوقفة في المنطقة الصناعية المجاورة فلا تلمح العين سوي حركة محدودة في مشروع أو أكثر بينما بقية المواقع مهجورة تقريباً«.
وأخيراً نشرت جريدة »الأخبار« بتاريخ 2000/12/15 علي صفحتها الأولي: مبارك يطلب إعادة تخطيط مشروع شرق بورسعيد.. تخفيض المنطقة الحرة الصناعية إلي عشرة ملايين متر«. وأعلن وزير الإعلام بنفس الجريدة أن مساحة منطقة »شنزن« الصناعية في الصين هي عشرة ملايين متر مربع تم تنميتها »يعني تسوية الأرض وإمدادها بالمرفق العامة وإقامة المشروعات« في 10 سنوات!!.. وأن مساحة المناطق الصناعية الأخري في العالم تتراوح مساحتها بين مائة ألف متر مربع ومليون ونصف المليون متر مربع. ومساحتها في سنغافورة نصف مليون متر مربع؟!.. أين كانت هذه الأرقام عندما نشرت جريدة »الأهرام« بتاريخ 98/12/2 خبر: »تأسيس شركة ضخمة تحت اسم »شركة تنمية المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد«، برأسمال مليار جنيه ويرأسها أحمد بهجت لتزويد 25 مليون متر مربع بالمرافق وبتكلفة 4250 مليون جنيه«!.. نقول إيه ولا إيه؟!
هذا الماضي مازال متصلاً بالحاضر.. فمازالت بعض الصحف تزين أسفار - وأصفار - الوزراء النوابغ إلي سنغافورة وماليزيا والصين... إلخ، بالمانشيتات الفلمنك المملة التي تتحدث عن تزاحم المستثمرين الأجانب لإقامة مشروعاتهم في الظهير الصناعي لميناء شرق التفريعة بأرض سيناء. ذلك أنها تكرار ممل للتصريحات التي جاءت في صدر هذا المقال منذ أكثر من عشر سنوات. وقد كان آخر طقاطيق وعود المنطقة الصناعية بشرق التفريعة هي طقطوقة »مشروع المدينة المليونية في بورسعيد.. التعيسة«. الخلاصة أن استمرار عشوائية التفكير وغياب التخطيط العلمي وضعف وعدم جدية وعدم قدرة الوزارات المتلاحقة، إنما هو استمرار لضياع حلم المشروع القومي لأكبر منطقة صناعية في العالم.. علي أرض عبقرية المكان..!!.. أكثر من عشرة أعوام من حلم أهالي بورسعيد بل من حلم مصر كلها.. ضاعت.. ومازالت في ضياع.. ربما حتي قدوم وزارة أخري!!.. وأخيراً وليس آخر، هل يعقل ما سبق سرده؟.. أم أن الرخاوة ليست رخاوة أرض بل هي رخاوة في مواجهة ضغوط لعدم تعمير سيناء صناعياً؟!.. الله أعلم.. أيها الناس.. إن أحد أسباب خراب مصر المطحونة، هو توليد النظام لوزراء ومسئولين يجيئون ثم يرحلون وهم متخمون بالأراضي والثروات وتبقي مصر حائرة بائرة إلي أن يقضي الله أمراً كان معفولاً.. وهنا أترك »لزينب« أن تعصر مخها لكي تجيب عن التساؤل الثاني الذي جاء في صدر هذا المقال: من يضحك علي من؟.. ولك الله يا مصر.. وعزاؤنا أنه عزمن قائل: »ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون. إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار«.

بورسعيد اليوم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق