26‏/05‏/2011

أسرار‮ قتل‮ حرس مبارك لـ "أبو العربي‮"





جمال عبدالمجيد

القضية رقم‮ ‬1109‮ ‬لسنة‮ ‬99‮ ‬حصر أمن الدولة‮ ‬العليا ستظل وصمة عار في‮ ‬جبين النظام السابق بأكمله وعلي‮ ‬رأسهم الرئيس المخلوع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي‮ ‬المحبوس علي‮ ‬ذمة قضايا فساد وقتل المتظاهرين‮.‬
وسيظل اسم العربي‮ ‬السيد سليمان محفورا في‮ ‬ذاكرة محافظة بورسعيد التي‮ ‬تم عقابها علي‮ ‬مدي‮ ‬12‮ ‬عاما بسبب اعتقاد خاطئ‮ ‬لمبارك بأنه تعرض فيها لمحاولة اغتيال‮.‬
الوفد الاسبوعي‮.. ‬ذهبت الي‮ ‬المنزل رقم‮ »‬50‮« ‬بحي‮ ‬العرب وتحديدا في‮ ‬شارع الحميدي‮ ‬الدي‮ ‬كان‮ ‬يسكن به العربي‮ ‬سليمان والمكون من‮ ‬4‮ ‬طوابق اكتشفنا المفاجأة المذهلة فعائلة العربي‮ ‬كلها تم اجبارها علي‮ ‬ترك المنزل بل ونكلوا بجميع‮ ‬أفراد الأسرة المكونة من‮ ‬5‮ ‬أشقاء وسيدة طاعنة في‮ ‬السن مفطور قلبها علي‮ ‬ابنها الذي‮ ‬تعرفه بورسعيد بأكملها باسم‮ »‬الشهيد‮« ‬وليس القتيل كما حاول نظام مبارك تصويره‮.‬
عقاب مبارك امتد لأشقائه أيضاً‮ ‬حيث تم اعتقال سامي‮ ‬وطارق لمدة‮ ‬7‮ ‬أشهر قبل الافراج عنهما لتأكد الأمن من أنهما لاينتميان الي‮ ‬أي‮ ‬جماعة ارهابية‮ ‬أو اسلامية‮.‬
أما‮ ‬الأخ الثالث تم منعه من السفر لأداء العمرة واحتجازه في‮ ‬ميناء نويبع ووصل الأمر الي‮ ‬استقدام الشقيق الرابع من أمريكا لاستجوابه وخضوعه للتحقيق في‮ ‬قضية وهمية أما الأم التي‮ ‬وصلت الي‮ ‬سن الـ‮ ‬70‮ ‬عاماً‮ ‬أصبحت طريحة الفراش حزنا وكمدا علي‮ ‬ابنها الذي‮ ‬اغتالته‮ ‬يد الغدر‮.. ‬بل‮ ‬وبلغ‮ ‬بها الحال أن تقوم فجر كل‮ ‬يوم وبعد الصلاة للدعاء علي‮ ‬النظام السابق وعلي‮ ‬رأسه مبارك قائلة‮ »‬اللهم ذل من أذل ابني‮ ‬انتقم منه‮ ‬ياعزيز‮ ‬يا جبار‮« ‬وظلت الأم‮ ‬12‮ ‬عاما تتمسك بهذا الدعاء‮.‬
وبرغم ما صوره إعلام مبارك المضلل وعلي‮ ‬رأسه الصحف القومية إلا أن بورسعيد مازالت تذكر الأحداث الحقيقية وليست المزيفة مما حدا بزوجة العربي‮ ‬ان تتقدم للمحامي‮ ‬العام لنيابات بورسعيد ضد‮ ‬مبارك وحرسه الذي‮ ‬قتل زوجها وصفوت الشريف وزير الاعلام آنذاك والذي‮ ‬صور الحادث علي‮ ‬انه محاولة اغتيال فاشلة واختتم البلاغ‮ ‬أيضا اللواء حبيب العادلي‮ ‬وزير الداخلية الأسبق الذي‮ ‬أعطي‮ ‬أوامره باخفاء ملف التحقيقات الذي‮ ‬يدين حرس الرئيس السابق وذلك بعد الاعترافات التي‮ ‬أدلي‮ ‬بها جنديا الحراسة كمال ميخائيل ومصطفي‮ ‬عبده حيث أكدا أن العربي‮ ‬سليمان لم‮ ‬يكن‮ ‬يحمل في‮ ‬يده‮ ‬آلة حادة‮ ‬وانه كان في‮ ‬طريقه لتقديم شكوي‮ ‬للرئيس ووقع علي‮ ‬الأرض من جراء اصابته‮ ‬بطلقات الحرس وبرغم‭ ‬‮ ‬براءة العربي‮ ‬من محاولة اغتيال مبارك‮ ‬الا أن ذلك لم‮ ‬يشفع لأسرته التي‮ ‬لم تستطع أن تودعه الي‮ ‬مثواه الأخير فقد تم دفنه في‮ ‬حراسة سيارات الشرطة دون وجود أحد من أقاربه‮.‬
وبرغم تزييف الحقائق ومنها ادعاء تبني‮ ‬الحكومة لأسرته وارسال والدته الي‮ ‬الحج الا أن كل ذلك ليس له أساس من الصحة حيث رفضت الحكومة صرف معاش لأسرته ولطفليه ولم‮ ‬يتم ارسال والدته الي‮ ‬الحج،‮ ‬بل تكفل ابنها أسامة بكافة المصاريف حتي‮ ‬تزور الي‮ ‬بيت الله الحرام وحتي‮ ‬الشقة التي‮ ‬تسكن بها زوجته لم‮ ‬يساعدها أحد فيها‮.‬
وحسب المعلومات التي‮ ‬حصلنا عليها فان العربي‮ ‬سليمان كان‮ ‬يريد تسليم مبارك شكوي‮ ‬خاصة به وهي‮ ‬عبارة عن طلب استعجال لتسليمه احدي‮ ‬شقق المحافظة التي‮ ‬أعلنت عنها المحافظة سابقا وتمت مماطلته في‮ ‬تسليمها فما كان منه الا أن سطر شكواه التي‮ ‬بدأها بجزء من الحديث النبوي‮ ‬الشريف‮ »‬ان لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس،‮ ‬حببهم في‮ ‬الخير وحبب الخير اليهم،‮ ‬أولئك الآمنون من عذاب الله‮ ‬يوم القيامة‮« ‬ثم بدأ في‮ ‬سرد شكواه‮ ‬وعندما علم العربي‮ ‬أن مبارك سيتجه الي‮ ‬شارع‮ ‬23‮ ‬يوليو ذهب الي‮ ‬هناك ممسكاً‮ ‬شكوته في‮ ‬يده اليمني‮ ‬ووسط‮ ‬حراسة أمنية مشددة علي‮ ‬الجانبين ووجود عدد من القناصة مدججين بالسلاح وقبل أن‮ ‬يخترق العربي‮ »‬الحبل‮« ‬المشدود بين المجندين كمال ميخائيل ومصطفي‮ ‬عبده وقع علي‮ ‬الأرض بعد أن‮ »‬تكعبل‮« ‬في‮ ‬الحبل وقبل أن‮ ‬ينهض العربي‮ ‬عاجلته ثلاث طلقات من حرس مبارك اثنتان منهما اصابت صدره والثالثة سكنت جبهته ليلقي‮ ‬مصرعه علي‮ ‬الفور وقبل أن‮ ‬يعلم مبارك بمصرعه قال لمرافقيه‮ »‬أنا عاوز الولد ده حي‮« ‬لكن الطلقات أردته قتيلا وجاءت سيارة الاسعاف لتنقله الي‮ ‬مستشفي‮ ‬المبرة‮.‬
وفور تلك الحاولة استطاع نظام مبارك الدولي‮ ‬توسيع دائرة الاشتباه وألقي‮ ‬القبض علي‮ ‬أصحاب العربي‮ ‬من الدرجة العاشرة حتي‮ ‬من كان‮ ‬يلقي‮ ‬عليهم بالسلام وتفاوتت مدد الاعتقال لهم ما بين‮ ‬10‮ ‬الي‮ ‬15‮ ‬يوما للخروج بأدلة قاطعة وواضحة علي‮ ‬تورط العربي‮ ‬في‮ ‬محاولة اغتيال مبارك للدرجة التي‮ ‬وصلت الي‮ ‬أن قام جهاز مباحث أمن الدولة باقتحام منزله بحي‮ ‬العرب وجمع كل متعلقاته وصوره الشخصية والعائلية ووصلت حالة الرعب الي‮ ‬أصدقائه الذين‮ ‬يحملون له مقاطع فيديو وهو‮ ‬يلعب كرة القدم التي‮ ‬كان‮ ‬يحبها فقاموا جميعا‮ »‬بمسح‮« ‬جميع الصور‮ ‬المتعلقة به خوفا من اعتقالهم‮.‬
لكن أخطر ما توصلنا اليه وما‮ ‬يذكره الأهالي‮ ‬ليل نهار اسم شاب‮ ‬يدعي‮ »‬محمد محمود البشوتي‮« ‬وكان هذا الشاب هو الحلاق الخاص بالعربي‮ ‬وهو آخر شخص شاهد العربي‮ ‬قبل أن‮ ‬يذهب لمبارك وحسب شهود العيان في‮ ‬شارع الشرقية المتفرع من نبيل منصور فان العربي‮ ‬كان‮ ‬يتردد علي‮ ‬الحلاق وبسبب ذلك جاءت مباحث أمن الدولة واعتقلته في‮ ‬اليوم التالي‮ ‬للحادث وخرج في‮ ‬نفس اليوم لكن دخل بعقله وخرج دونه وأصبح محمد ابن الـ‮ ‬24‮ ‬عاما فاقداً‮ ‬لعقله من راء التعذيب الذي‮ ‬تلقاه في‮ ‬مباحث أمن الدولة وأكدت الروايات ان أمن الدولة كان‮ ‬يريد انتزاع اعتراف من محمد بادانة العربي‮ ‬بأنه‮ ‬يتبع جماعات ارهابية وكان‮ ‬يخطط لاغتيال مبارك لكن محمد الشاب المكافح رفض الاعتراف بأشياء‮ ‬غير حقيقية حتي‮ ‬لا‮ ‬يضيع دم الشهيد‮.‬
واستطاع البشوتي‮ ‬ان‮ ‬يتحمل قهر أمن الدولة ورفض الاعتراف فتم تعذيبه داخل مقر الجهاز ووصل الأمر لصعقه بالكهرباء‮ ‬حتي‮ ‬يعترف علي‮ ‬العربي‮ ‬وبعد‮ »‬5‮« ‬ساعات قضاها في‮ ‬مقر الجهاز خرج صامتا لا‮ ‬يتكلم لمدة‮ ‬6‮ ‬أشهر وكان‮ ‬يكتفي‮ ‬بالاشارة‮.‬
ذهبت الوفد الي‮ ‬منزل البشوتي‮ ‬ببورسعيد وتحديدا في‮ ‬46‮ ‬شارع صلاح سالم بحي‮ ‬الافرنج والتقينا محمد محمود البشوتي‮ ‬وحاولنا أن نتكلم معه وكان‮ ‬يرد علينا‮ »‬بالقطارة‮« ‬نظرا للحالة التي‮ ‬يمر بها لكننا وجدناه متماسكا هادئاً‮ ‬سألناه عما تعرض له فلم تزد كلماته علي‮ ‬قوله‮ »‬مش فاكر بالضبط كل اللي‮ ‬افتكره ان احد الضباط جه واخدني‮ ‬من المحل بتاعي‮ ‬من السوق لكنه‮ ‬يتذكر اسم والدته كاملا التي‮ ‬توفيت بحسرتها عليه وذلك بعد الحالة التي‮ ‬أصابته فكان‮ ‬يخرج من المنزل متجها الي‮ ‬المقابر ليقضي‮ ‬أياما هناك وهي‮ ‬الحاجة فاطمة السيد خلف التي‮ ‬قضت ما‮ ‬يقرب من‮ ‬12‮ ‬عاما في‮ ‬محاولة لعلاج ابنها العائل الوحيد للأسرة وبعد وفاة والده الذي‮ ‬سلمه محل الحلاقة حتي‮ ‬يتمكن من الصرف علي‮ ‬أسرته المكونة من‮ ‬4‮ ‬أفراد‮.‬
التقينا احدي‮ ‬شقيقاته التي‮ ‬أكدت ان محمد دخل أمن الدولة سليما معافي‮ ‬وخرج علي‮ ‬هذه الحالة‮ ‬وتم التنكيل به بسبب ان العربي‮ ‬سليمان كان‮ ‬يتردد للحلاقة عنده وكان زبونه الدائم‮.‬
وقالت أخته لم نستطع أن نرفع دعوة ضد أحد حتي‮ ‬لا‮ ‬يتم التنكيل بنا جميعا ويكفي‮ ‬أن‮ »‬العمود الفقري‮ ‬للأسرة‮« ‬تم قتله حيا في‮ ‬شئ لا‮ ‬يخصه‮.‬
وأضافت‮: ‬محمد كان زي‮ ‬الفل ويحرص علي‮ ‬الصلاة في‮ ‬أوقاتها وشوفنا خير علي‮ ‬ايده عندما‮ ‬تسلم محل الحلاقة خلفا لوالده وكان عمره‮ ‬16‮ ‬عاما وخرج وقتها من الدراسة ليعمل في‮ ‬المحل وبعد ذهابه الي‮ ‬أمن الدولة وقضائه‮ ‬5‮ ‬ساعات خرج هكذا وذهبنا الي‮ ‬كافة المستشفيات التي‮ ‬تعالج مثل هذه الحالات وعجز‮ ‬الأطباء عن تشخيص حالته ودائما كان‮ ‬يخرج عن صمته فقط ليقول‮ »‬العربي‮ ‬ما عملش حاجة مالكوش دعوة بيه‮«.‬
ومنذ الحادث وهو‮ ‬يعاني‮ ‬للدرجة التي‮ ‬وصلت به الي‮ ‬الذهاب الي‮ ‬المقابر لقضاء أيام هناك وكانت والدته رحمها الله تذهب اليه للطعام وكان‮ ‬يرفض العودة وبالقطع لم‮ ‬يستطع أن‮ ‬يذهب الي‮ ‬المحل الخاص به لممارسة عمله وتم اغلاق المحل وتدمير أسرة بكاملها من قبل أمن الدولة‮.. ‬وتضيف‮ »‬الحمد لله ربنا ورانا‮ ‬يوم فيهم‮«.‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق